متى تجب الهجرة من البلاد في عصرنا الحالي



متى تجب الهجرة مِن البلاد في عصرنا الحالي؟ ومتى تكون الهجرة واجبة أو مستحبة ؟ وما حكم الهجرة ؟ ولماذا هاجر المسلمون في القِدم؟ وفيمن نزل قوله تعالى { إِنَّ الَّذِيْنَ تَوَفَّاْهُمُ المَلَائِكَةُ ظَاْلِمِي أَنْفُسِهِم قَاْلُوْا فِيْمَ كُنْتُمْ قَاْلُوْا كُنَّا مُسْتَضْعَفِيْنَ فِي الْأَرَضِ قَاْلُوْا أَلَمْ تَكُن أَرْضُ اللهِ وَاْسِعَةً فَتُهَاْجِرُوا فِيْهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاْهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاْءَتْ مَصِيْرَا إِلَّا المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَاْنِ لَا يَسْتَطِيْعُونَ حِيْلَةً وَلَا يَهْتَدُوْنَ سَبِيلا فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُم وَكَانَ اللهُ عفُواً غفورا}.

متى تجب الهجرة من البلاد في عصرنا الحالي

ينبغي أن نعلم في بداية الأمر أنَّه لما اشتد أذى كفار قريش على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبته الكرام في مكة المكرمة وتهيأت له عوامل الخروج مِنها، هاجر إلى المدينة المنورة، وأمر بها صحابته فراراً بدينهم، وحفاظاً على أرواحهم، وحرياتهم، وتوحُّداً مع القوَّة التي أُعدَّت لاستقبالهم في المدينة، وحينما زادت قوَّته وكان قادرةً على هزيمة الكفار عاد إليها فاتحاً مستبشراً، وقد بيَّنت الآية الكريمة أن أولئك المسلمين كانوا ينقسمون إلى عدَّة أقسامٍ مَن حيث القوَّةُ والضعف، وتبعاً لذلك يتم تحديد الحكم الواجب الأخذ به في السفر إلى خارج البلاد، وهنا نذكر تلك الأصناف وحكم كلَّ صنفٍ منها.

المسلمون الذين قَبِلوا الهجرة

وأمام فكرة الهجرة الذي دعا إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان هناك فريقاً مِن المسلمين في مكَّة – ممَّن ظهروا بالإسلام، واشتهروا بكثرة أعدادهم، وشدَّه حرصهم على دينهم- لبَّت الدعوة، وهاجرت إلى المدينة المنورة، تاركةً وراءها أموالها، ومساكنها، وعشيرتها في سبيل زيادة سواد المسلمين في المدينة والالتحام مع رسول الدعوة الأمين، وهؤلاء الَّذين نزلت الآيات تبشرهم بالرحمة الواسعة، والعزّة الخالدة، والنصر على أعداء الله، حيث قال تعالى { ثُمَّ إنَّ ربَّكَ لِلَّذيِن هَاْجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاْهَدُوا وَصَبَرُوا إَنَّ رَبَّك مِن بَعْدِهَا لَغَفُوْرٌ رَحِيْم}.



وطائفة أخرى منهم قويَّة الإيمان، لا تخاف عشيرةً ولا أهل، لكنَّها غير قادرةٍ على الهجرة لفقرٍ، أو ضعفٍ، أو شيخوخة، فبقيت في مكَّة على مضض، تحتملُ العذاب وتستعذبهُ  في سبيل الحفاظ على دينها، وهؤلاء الطائفة هم الذين استثناهم الله مِن التوعد بالعذاب للقاعدين في قوله تعالى { إِلَّا المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَاْنِ لَا يَسْتَطِيْعُونَ حِيْلَةً وَلَا يَهْتَدُوْنَ سَبِيلا فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُم وَكَانَ اللهُ عفُواً غفورا}.

المسلمون الذين رفضوا الهجرة

وكان وراء هاتين الطائفتين طائفةٌ ثالثة، لم تكن قوية الإيمان كالأولى، ولم يمنعها مِن الهجرة موانع الفقر والضعف كما الثانية، إنَّما أغوتهم الأموال والعشيرة، وبقوا في ديارهم قابعين فيها، فقعدوا في مكَّة، ورضوا بالحرمان مِن الحرية وإقامة الدِّين، ولم يلتزموا  بأمر النَّبوة، وهؤلاء هم الذين توعدهم الله بالعذاب في قوله { إِنَّ الَّذِيْنَ تَوَفَّاْهُمُ المَلَائِكَةُ ظَاْلِمِي أَنْفُسِهِم ……}، فقد بيَّن الله سبحانه وتعالى كذب اعتذارهم، وجنايتهم على أنفسهم في قوله { فِيْهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاْهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاْءَتْ مَصِيْرَا}، بل وقد بيَّنت الآية الكريمة أن موقفهم هذا لا يبتُّ إلى الدِّين بأي صلة، وإلى أن أقلَّ درجات الدِّين ترفضُ أن يقع صاحبها في المذلةِ والهوان، بل إن المؤمن يكون عزيزاً بإسلامه.

هل يتم تطبيق الآية في عصرنا الحالي ؟

رفض المذلة والهوان للإنسان الذي يحمل في صدره العقيدة الإسلامية هي أجد الأصول الذي عمل بها الإسلام، ودعا إلى التَّمسك بها، ذلك لما بيَّنته الآية السابقة مِن ضرورةِ رفض المذلة، وعقوبة المتقاعسين عن رفضها رغم مقدرتهم على تحرير أنفسهم، وبذلك فإن الهجرة وحكمها في عصرنا الحالي تعتمد على قدرة الإنسان المسلم وطبيعة الظروف التي يمر بها، ومدى تأثيرها على دينه الإسلامي، وهي كالتالي :

  • أولا : أفراد مسلمون يقيمون في بلاد الكفر التي تقيد حرِياتهم، وتُضطهد فيها حقوقهم، ويشدَّد عليهم الخناق في إقامة دينهم، وهم أقوياءُ قادرون على الهجرة إلى حيثُ يستطيعون ممارسة شعائرهم الدينية، ويتمتعون بحريتهم، فهؤلاء يجب عليهم الهجرة، وإن رضوا بالهوان والمذلة التي تفرض عليهم مع قدرتهم على التخلص منها فقد شملهم الوعيد الوارد في الآية، وكانوا لأنفسهم ظالمين.
  • ثانياً : بلادٌ إسلامية محتلَّةٌ مَن قِبل الأعداء الكفرة، فسلبوا أهلها الحكم والسلطان، وحبسوهم بجنسيتهم، وضيَّقوا عليهم حياتهم الدينية والدنيوية، ومِن أهل تلك البلاد أهمَّتهم أموالهم وأعمالهم، فأبدوا الموافقة للاستعمار، فهؤلاء الجماعة يجب عليهم إن كانوا مؤمنين أن يخلعوا أنفسهم مِن وحل الخيانة، ويهاجروا بقلوبهم، وجهودهم إلى إخوانهم المسلمين ممَّن اُحتلت أرضهم، ويكونوا على قلب رجلٍ واحدٍ لإخراج المحتل مِن أرضهم، أمَّا إن بقوا في وحل العمالة، فقد حقَّ عليهم قوله تعالى { وَمَن يَتَوَلَّهم مِنْكُمْ فَهُوَ مِنْهُم إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظاَلِمِيْن}.
  • ثالثاً : بلادٌ إسلامية واسعةٌ ومتفرقة، تسلَّط على كلِّ ناحيةٍ منها عدوٌ، وليس في وسع واحدةٌ مِن تلك البلاد أن تردَّ عن نفسها أو عن غيرها مِن إخوانها المسلمين، فإذا خضعت كلُّ بلد لمستعمرها – ولم يهاجروا بعضهم إلى بعضٍ بقلوبهم، وتفكيرهم، وتوحيد كلمتهم، وإنشاء جماعتهم التي بها يصدَّون أثر العدوان عنهم – كانوا جميعاً عوناً لأعدائهم بتفرُّقهم، وضياع دينهم الذي حثَّ على التوحد في وجه العدو، وهم بذلك ظالمين لأنفسهم.
  • رابعاً : مَن كان يعيش في بلادٍ تملأها المنكرات، ولا تلتزم بدين الله الحقَّ، فذلك أحد الأمور التي توجب الهجرة، أمَّا مَن قَبِل على نفس البقاء في تلك الخبائث مِن الأفعال المخالفة لما أُمر به المسلمين فذلك دليلٌ على ظلمهم لأنفسهم.

كيف حالنا اليوم مع الهجرة ؟

فأين نحن جماعة المسلمين، وقد تفرَّقت أهواؤنا، وقد صرنا أفراداً وجماعات، وقد رضينا بالتفرق، وأيَّد فريق منا الاستعمار، وقد مزَّقت أرواحنا دنيا الأهواء، وطمست معالمنا شهوات الحياة، وسلبتنا العزَّة والكرامة، تمسَّكوا بعرى الإسلام، دافعوا عن دينكم الحق، لا تدعو العدو يفرَّق شملكم.




التعليقات
  1. لا يوجد تعليقات حتى الأن ، بادر بكتابة تعليق جديد!

لن يتم نشر بريدك الالكتروني للعامة ، الحقول المطلوبة معلمة بالعلامة '*'

*

حكم حلق اللحية في الإسلام

حكم حلق اللحية في الإسلام

همزة الوصل وكيفية الابتداء بها

همزة الوصل وكيفية الابتداء بها